قصه واقعيه
❞ تقديم
كانت أسرتي في المصيف، وكنت أتردد بين المصيف والقاهرة لبعض شئوني، وقد اعتدت في ذلك العهد أن أنزل فندق «مينا هاوس»، أستمتع من نوافذه بمنظر الهرم والصحراء، ذلك المنظر البديع في كل حين، وهو الروعة والسحر في الليالي القمرية، ويزيده ❝
❞ سحرًا ما يسري إلى نفسك معه من نسيم عذب ينسيك قيظ النهار، ويبتعث خيالك إلى تصور القرون الخالية، حين كان أجدادنا يشيدون هذه الأهرام الضخمة، لتكون مقرًّا للفرعون الذي أمر بتشييدها، سكنًا له في حياته الآخرة. ❝
❞ وكنت أستيقظ بكرة الصبح فأنزل إلى حديقة الفندق أجوس خلالها، ثم أتناول طعام فطوري تحت شجرة من أشجارها الباسقة، وكثيرًا ما كنت أقضي في هذه الحديقة سويعات الغروب، ولم يكن نادرًا أن ألقى بعض الأصدقاء الذين يجيئون إليها من العاصمة ❝
❞ يبتغون في رقة نسيمها وبُعدِها عن ضجة المدينة ما يُعوِّضهم عن جهد نهارهم وقيظه.
وإنني يومًا لجالس قبل الغروب، أتوقع أن أرى بعض هؤلاء الأصدقاء؛ إذ رأيت فتاة شابة تُقبِل ❝
❞ عليَّ مُتأَبِّطَةً حافظة أوراقها، ثم تقف عندي وتسلم عليَّ باسمي، ولم يدهشني أن عرفتني وأنا لا أعرفها، فكثيرًا ما يقع ذلك لي ولأمثالي، وكثيرًا ما يُقدِّم إليَّ بعض الشبان والشابات كراسات صغيرة، ويطلبون أن أوقِّع باسمي على صفحة من صفحاتها، ❝
❞ أو أن أكتب فيها عبارة ما.
ولقد خُيِّلَ إليَّ أن هذه الفتاة تُقبِل عليَّ لمثل هذا الأمر، وأنها ستُخرِج من حافظة أوراقها كراستها، وتطلب إليَّ أن أُوقِّع باسمي عليها، أو أكتب لها عبارة تعتزُّ بها بين صديقاتها، لكنها لم تفعل من ❝
❞ ذلك شيئًا، بل رأيتها ما لبثت حين وقفت أمامي أن استأذنت في الجلوس، فلما هممتُ بعد جلوسها أن أدعو الخادم ليقدِّم لها ما تطلب اعتذرَتْ وشكرَتْ وقالت إنها لا تريد شيئًا، ولكنها قَدِمَتْ في مهمة كُلِّفت بها، وكلُّ الذي ترجوني ❝
❞ فيه ألا أسألها عن شخصيتها، ولا عمن كلَّفها هذه المهمة.
وبعد هُنيهَة فتحت حافظة أوراقها، وأخرجت منها ملفًّا أنيقًا، وقالت: هذه يا سيدي قصة كتبَتْها صاحبتُها، ورغبتْ إليَّ في أن أضعها بين يديك، وقد تركت لك الحرية المطلقة ❝
❞ في شأنها، لك أن تقرأها أو تهملها، فإذا تفضَّلتَ وأضعتَ ❝
❞ وقتك في قراءتها، فلك أن تلقي بها في النار، أو تحتفظ بها بين المهملات من أوراقك، ولك إن شئت أن تنشرها على الناس، فإذا كان لها من الحظ أن راقتك فنشرتها، فستكون هي إحدى قارئاتها، ولن تعرف أنت ولن يعرف ❝